كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأَمّا قوله: {وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} فانه من: نَأَيْتُ يَنْأَى نَأْيًا.
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقال: {وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} نصب لأنَّه جواب للتمني وما بعد الواو كما بعد الفاء، وان شئت رفعت وجعلته على مثل اليمين، كأنهم قالوا: {وَلاَ نُكَذِّبُ واللهِ بآياتِ رَبِّنا وَنكُونُ واللهِ منَ المُؤمنين}. هذا اذا كان ذا الوجه منقطعًا من الأول. والرفع وجه الكلام وبه نقرأ الآية واذا نصب جعلها واو عطف، فكأنهم قد تمنوا الا يكذبوا وان يكونوا. وهذا- والله أعلم- لا يكون، لأنهم لم يتمنوا الايمان انما تمنوا الرد وأخبروا أنهم لا يكذبون ويكونون من المؤمنين.
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُواْ ياحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ}.
وقال: {أَلاَ سَاءَ مَا يَزِرُونَ} لأنه من وَزَرَ يَزِرُ [109] وِزْرًا ويقال أيْضًا: وُزِرَ فهُوَ مَوْزُورٌ. وزعم يونس انهما جميعًا يقالان.
{قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ ولكنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}.
وقال: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ} بكسر إِنَّ لدخول اللام الزائدة بعدها.
{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}.
وقال: {وَلَقدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ} كما تقول: قَدْ أَصَابَنا من مَطَرٍ وقَدْ كانَ مِنْ حَديث.
{وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ}.
وقال: {نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ} فالنَفَقُ ليس من النَفقَةِ ولكنه من النَّافِقاءِ، يريد دخولا في الأرض.
وقال: {فَإِن اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ} ولم يقل فَافْعَلْ وذلك أَنَّهُ أَضْمَر. وقال الشاعر: [من الخفيف وهو الشاهد الثاني والثلاثون بعد المائة]:
فَبِحَظٍّ مِمّا نَعِيشُ ولا تَذْ ** هَبْ بِكِ التُرَّهاتِ في الأَهْوالِ

فأضمر فَعِيشى.
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}.
وقال: {وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} يريدُ: جماعة أمة.
{قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
وقال: {أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ} فهذا الذي بعد التاء من قوله: {أَرَأَيْتَكُم} إِنما جاء للمخاطبة. وترك التاء مفتوحة كما كانت للواحد، وهي مثل كاف رُوَيْدَكَ زَيْدًا اذا قالت: أَرْوِدْ زَيْدًا. فهذه الكاف ليس لها موضع فتسمى بجر ولا رفع ولا نصب، وانما هي من المخاطبة مثل كاف ذاك. ومثل ذلك قول العرب: أَبْصِرْكَ زَيْدًا يدخلون الكاف للمخاطبة وانما هي أَبْصِرْ زيدًا.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَّنْ اله غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}.
وقال: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ} ثم قال: {يَأْتِيكُمْ بِهِ} حمله على السمع أو على ما أخذ منهم.
{وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
وقال: {فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} فالأولى ان ينصب جوابًا لقوله: {مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ} والأخرى أنْ ينصب بقوله: {وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ}.
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
وقال: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ} و{أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فقوله: {أَنَّهُ} بَدَلٌ من قوله: {الرَّحْمَةَ} أي: كَتَبَ أنَّهُ مَنْ عمِلَ. وقوله: {فَأِنَّهُ} على الابتداء أي: فَلَه المفغرة والرَّحْمَةُ فَهوَ غَفُورٌ رَحيم. وقال بعضهم {فأنَّهُ} أراد به الاسم وأضمر الخبر. أراد فَأنَّ.
{وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}.
وقال: {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} لأَنَّ أَهْلَ الحِجازِ يَقُولن: هِيَ السَّبِيلُ وقال بعضهم {ولتستبين}* يعني النبيّ صلى الله عليه. وقال بعضهم {وَلِيَسْتَبِينَ سَبِيلُ} في لغة بني تميم.
{قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قُلْ لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ}.
وقال: {قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا} وقال بعضهم {ضَلَلْتُ} وهما لغتان. من قال: ضَلِلْتُ قال: تَضَلُّ ومن قال: ضَلَلْتُ قال: تَضِلُّ ونقرأ بالمفتوحة.
{وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.
وقال: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} جر على {مِنْ} وإِنْ شِئْتَ رَفَعْتَ على تسْقط، [110] وإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ على الابتداءِ وَتَقْطَعُهُ من الأول.
{قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَاذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ}.
وقال: {تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} وقال في موضع آخر {وَخِيفَةً}. والخُفْيَةُ: الإِخفاء والخِيفَةُ من الخَوْف والرَّهْبَة.
{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}.
وقال: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} لأنها من لَبَسَ يَلْبِسُ لَبْسًا.
{وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَائِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ}.
وقال: {أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ} وهي من أبْسَلَ إبْسالًا.
وقال: {أُوْلَائِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ}.
{قُلْ أَنَدْعُواْ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا وَلاَ يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللَّهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}.
وأمَّا قوله: {حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ} فإِنَّ كلَّ فَعْلان له فَعْلى فَإِنَّه لا ينصرف في المعرفة ولا النكرة.
وأمّا قوله: {إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا} فان الألف التي في {ائْتِنا} الف وصل ولكن بعدها همزة من الأصل هي التي في أتَى وهي الياء التي في قولك ايتِنا، ولكنها لم تهمز حين ظهرت ألف الوصل. لأن الف الوصل مهموزة اذا استؤنفت فكرهوا اجتماع همزتين. وقال: {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} يقول: إِنَّما أُمِرْنا كَيْ نُسْلِمَ لِرَبِّ العالَمين كما قال: {وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي: إِنما أُمِرت بذلك.
{وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}.
ثم قال: {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ} أي: وَأُمِرْنا أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ واتَّقُوهُ. أَوْ يَكُونُ أَوْصَلَ الفِعْلَ بالّلامِ، والمعنى: أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ. كما أوصل باللام في قوله: {لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}.
{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}.
وقال: {وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ} قال: {يَوْم} مضاف إلى قوله: {كُنْ فَيَكُونُ} وهو نصب وليس له خبر ظاهر والله اعلم. وهو على ما فسرت لك.
وكذلك {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ} وقال بعضهم {يَوْمَ يُنْفَحُ في الصُّورِ} وقال بعضهم {يَنْفُخُ} {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}.
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
وقال: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ} فتح اذا جعلت {آزَرَ} بدلًا من {أَبيهِ} وقد قرئت رفعا على النداء كأنه قال: يا آزَرُ. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثالث والتسعون بعد المائة]:
إِنَّ عَلَيَّ اللهَ أَنْ تُبايِعا ** تُقْتَلَ صُبْحًا أَوْ تَجِيءَ طائَعا

فابدل تُقْتَلَ صُبْحًا من تُبَايِعَ.
{فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هذارَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ}.
وقال: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الْلَّيْلُ} وقال بعضهم {أَجَنَّ}. وقال الشاعر: [من الطويل وهو الشاهد الرابع والتسعون بعد المائة]:
فَلَمّا أَجَنَّ اللَّيْلُ بِتْنا كَأَنَّنا ** على كَثْرَةِ الأَعْداءِ مُحْتَرِسَانِ

وقالُ: [من الرجز وهو الشاهد الخامس والتسعون بعد المائة]:
أَجَنَّكَ اللَّيلُ وَلَمَّا تَشْتَفِ

فجعل الجَنَّ مصدرا لجَنَّ. وقد يستقيم أنْ يكون أَجَنَّ ويكون ذا مصدره كما قال: العَطاء والإعطاء. وأما قوله: {أَكْنَنتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} فإِنهم يقولون في مفعولها: مَكْنُونٌ ويقول بعضهم مُكَنّ وتقول: كَنَنْتُ الجاريَةَ إذا صُنتها وكَنَنْتُها مِن الشَّمْسِ وأَكْنَنْتُها مِن الشَّمْسِ أيضًا. ويقولون: هِيَ مَكْنُونَة ومُكَنَّةٌ وقال الشاعر: [من البسيط وهو الشاهد السادس والتسعون بعد المائة]:
قَدْ كُنْتُ أُعْطِيهُمُ مالِي وَأَمْنَحُهُمْ ** عِرْضِي وَعِنْدَهُمُ في الصَّدْرِ مَكْنُونُ

لأنَّ قَيْسًا تقول: كَنَنْتُ العِلْمَ فهو مَكْنُونْ. [111] وتقول بنو تميم أَكْنَنْتُ العِلْمَ فهُوَ مُكَنُّ، وكَنَنْتُ الجارِيَةَ فَهِيَ مَكْنُونَةٌ. وفي كتاب الله عز وجل: {أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} وقال: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} وقال الشاعر: [من الكامل وهو الشاهد السابع والتسعون بعد المائة]:
قَدْ كُنَّ يَكْنُنَّ الوُجُوهَ تَسَتُّرًا ** فَاليومَ حينَ بَدَوْنَ للنُّظّارِ

وقيسُ تنشد قَدْكُن يُكْنِنَّ.
وقال: {فلَمَّا أَفَلَ} فهو من يَأْفِل أُفُولًا.
{فَلَماَّ رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هذارَبِّي هَاذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ ياقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ}.
وأما قوله للشمس {هذارَبِّي} فقد يجوز على هذا الشيءُ الطالِعُ رَبّي.
أَوْ على أَنَّه ظهرت الشمس وقد كانوا يذكرون الرب في كلامهم قال لهم {هذارَبّي}. وانما هذا مثل ضربه لهم ليعرفوا اذا هو زال انه لا ينبغي ان يكون مثله آلها، وليدلهم على وحدانية الله، وأنه ليس مثله شيء. وقال الشاعر: [من الرجز وهو الشاهد الثامن والتسعون بعد المائة]:
مَكَثْتَ حَوْلًا ثُمَّ جِئْتَ قاشِرًا ** لا حَمَلَتْ مِنْكَ كِراعٌ حافِرا

{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ}.
قال: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} يعني: {وَوَهَبْنَا لَهُ} {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} وكذلك {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى}.
{وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ}.
وقفال بعضهم {وَالْيَسَع} وقال بعضهم {وَاللَّيْسعَ} ونقرأ بالخفيفة.
{أُوْلَائِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ}.
وقال: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}. وكلّ شيء من بنات الياء والواو في موضع الجزم فالوقف عليه بالهاء ليلفظ به كما كان.
{وَهذاكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ}.
وقال: {وَهذاكِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي} رفع على الصفة، ويجعل نصبا حالا لـ{أَنْزَلْنَاهُ}.
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ}.
وقال: {وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمُ} فنراه يريد: يقولون {أَخْرِجُواْ أَنْفُسَكُمْ} والله اعلم. وكان في قوله: {بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ} دليل على ذلك لأنه قد أخْبَرَ انهم يريدون منهم شيئًا.
{فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذلك تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
وقال: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ} جعله مصدرا من أَصْبَحَ. وبعضهم يقول: {فالِقُ الأَصْباحِ} جماع الصُّبْح.
وقال: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا} أي: بِحِسابٍ. فحذف الباء كما حذفها من قوله: {أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ} أَيْ: أَعْلَمُ بمن يَضِلّ. والحُسْبانُ جماعة الحِسابِ مثل شِهاب وشُهْبَان، ومثله {الشَمْسُ والقَمرُ بِحُسْبانٍ} أي: بحساب.